الاستخارة في الفهم الشرعي الصحيح
في الآونة الأخيرة، انتشرت مصطلحات كثيرة بين الناس تدور حول "الاستخارة"، وخصوصًا ما يُسمى بـ"الاستخارة الروحانية"، والتي أصبحت مصدر جدل بين من يرى فيها حلًا لمشاكله وقراراته المستقبلية، ومن يتساءل عن حكمها الشرعي. فهل لهذه الممارسة أصل في الشريعة الإسلامية؟ أم أنها مجرد خرافات أو ممارسات مستمدة من ثقافات وأديان أخرى؟
أولاً: مفهوم الاستخارة في الإسلام
الاستخارة في الفهم الإسلامي الصحيح هي الاستعانة بالله عز وجل في اتخاذ قرار ما، بعد التفكير والمشورة. وهي دعوة نبوية واضحة جاءت في حديث رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«إذا هَمَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيَرْكَع ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم ليقل: اللَّهُمَّ إنِّي أستخيرُك بعلمِك، وأستقدِرُك بقُدرتِك، وأسأَلُك من فضلِك العظيمِ، فإنَّك تقدِرُ ولا أقدِرُ، وتعلَمُ ولا أعلَمُ، وأنتَ علامُ الغيوبِ...» (رواه البخاري)
وهذه الصلاة والدعاء هما الشكل الوحيد المشروع للاستخارة في الدين الإسلامي، ويُشرع للمسلم أن يدعو بهذا الدعاء بعد صلاة الركعتين، سواء كان القرار كبيرًا كالزواج أو السفر أو العمل، أو حتى قرارات صغيرة قد تكون مهمة في حياته.
ثانيًا: ما المقصود بـ"الاستخارة الروحانية"؟
الاستخارة الروحانية – كما يُفهم منها اليوم – غالبًا ما تشير إلى ممارسات وعقائد بعيدة تمامًا عن صحيح الدين، مثل:
- قراءة القراطيس أو استخدام الأوراق (البطاقات) لتحديد المصير.
- الاستعانة بالأرواح أو الجن أو التواصل مع الأموات.
- الاعتماد على الكهنة أو المشعوذين الذين يدّعون علم الغيب.
- الاعتقاد بأن هناك كائنات "روحانية" يمكنها الهداية أو إعطاء الحلول.
كل هذه الممارسات لا علاقة لها بالإسلام، بل هي من المفاهيم الجاهلية أو الوثنية التي كانت سائدة قبل ظهور الدين الحق.
ثالثًا: حكم "الاستخارة الروحانية" شرعًا
الإسلام دين التوحيد الخالص، وهو ينفي تمامًا أن يكون لأحدٍ من الخلق علم الغيب أو التصرف في الكون إلا بإذن الله. وقد قال تعالى:
«قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ» [النمل: 65]
ومن هنا، فإن أي استخارة تعتمد على:
- الاستعانة بالأموات أو الأرواح.
- التواصل مع الجن أو الاعتماد عليهم.
- الاعتماد على الكهانة أو السحر.
هي من الشرك الأكبر، لأنها تعني أن الإنسان يطلب العلم أو التوفيق من غير الله، وقد تصل إلى حد الكفر إذا اعتقد الشخص أن هذه الكائنات تملك القدرة على التصرف في الكون.
قال تعالى:
«وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا» [الجن: 6]
وهذا يُظهر خطورة التعويل على الجن أو اعتبارهم مصدرًا للقوة أو العلم.
رابعًا: الفرق بين الاستخارة الشرعية والاستخارة الروحانية
الجانب | الاستخارة الشرعية | الاستخارة الروحانية |
---|---|---|
المصدر | الكتاب والسنة | خرافات وعادات جاهلية |
الطريقة | صلاة ركعتين ودعاء | قراءات غامضة، تواصل مع الجن، قراءة الفنجان... |
الحكم | مشروع ومطلوب | محرم وربما كفر |
الهدف | طلب التوفيق من الله | طلب علم الغيب من غير الله |
خامسًا: نصائح وتوجيهات
- تمسك المسلم بما شرعه الله: فالاستخارة الشرعية كافية، وما زاد عنها فهو من البدع والخرافات.
- الحذر من الدجالين والمشعوذين: الذين يستغلون حاجة الناس وخوفهم من المستقبل.
- الاستشارة مطلوبة: قبل الاستخارة، ينبغي على المسلم أن يفكر ويتشاور مع أهل الخبرة.
- التوكل الحقيقي هو على الله: فلا يُلجأ إلى غيره في طلب العلم أو التوفيق.
الخلاصة
الاستخارة في الإسلام هي وسيلة مشروعة للتوجه إلى الله عز وجل عند الحاجة لاتخاذ قرار مهم، وليست نوعًا من أنواع السحر أو التواصل مع عوالم غير مرئية. أما ما يُعرف بـ"الاستخارة الروحانية"، فهي في معظم صورها مخالفة للشريعة، وقد تؤدي إلى الوقوع في الشرك أو الكفر.
والواجب على المسلم أن يتمسك بكتاب ربه وسنة نبيه صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وأن لا يُضعف أمام الممارسات الشعبية التي تُزيَّن له لتبدو وكأنها "حل سريع"، بينما هي في الحقيقة مصيبة تبعد عن طريق الحق.
«وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا» [الطلاق: 2]