فهم القدر والرزق وحسن الظن بالله.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كثيرًا ما يتداول الناس مصطلحات مثل النحس أو العكوسات عند المرور بضيق في الرزق أو تعثر في شؤون الحياة. فهل لهذه المفاهيم أصل في الإسلام؟ وكيف ينظر الدين الإسلامي إلى ما يمر به الإنسان من ابتلاءات وتقلبات؟
في هذا المقال نسلّط الضوء على الفهم الصحيح لهذه المفاهيم من منظور شرعي متوازن، يربط بين القدر، الرزق، الدعاء، والعمل، بعيدًا عن الخرافة والتشاؤم.
أولًا: الإيمان بالقدر وأثره في سكينة النفس
يؤمن المسلم بأن الله سبحانه وتعالى قد كتب مقادير الخلائق قبل خلقهم، ومن ذلك ما ورد في الحديث الصحيح أن الجنين يُكتب له رزقه وأجله وعمله وشقيٌّ أو سعيد.
هذا الإيمان يزرع في قلب المؤمن الطمأنينة، ويوقنه بأن رزقه لن يضيع، ولن يموت قبل أن يستوفيه كاملًا، كما قال النبي ﷺ: «إن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها».
فمتى استقر هذا اليقين في القلب، سكنت النفس واطمأن العقل، وزال القلق المفرط على الرزق.
ثانيًا: الرزق في القرآن الكريم وحكمة التفاوت بين الناس
جاء ذكر الرزق في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، تؤكد أن الله هو الرزاق، وأن تفاوت الأرزاق بين الناس قائم على الحكمة والعدل الإلهي، لا على الظلم أو العبث.
- ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ – سورة الرعد
- ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ – سورة النحل
- ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ﴾ – سورة الشورى
فالسعة في الرزق قد تكون ابتلاء، كما أن التضييق قد يكون رحمة أو حماية أو تربية إيمانية.
ثالثًا: هل النحس والعكوسات حقيقة في الإسلام؟
الإسلام لا يقر مفهوم النحس بمعناه الخرافي المرتبط بالأيام أو الأشخاص أو الأرقام، ولا يؤمن بالتشاؤم أو الطيرة.
لكن الإسلام يقر بوجود سنن ربانية، من أهمها أن:
- كثرة المعاصي قد تكون سببًا في ضيق الرزق وتعسر الأمور
- الطاعة والاستقامة سبب للبركة والتيسير
وقد قال بعض العلماء: «إني لأعرف ذنبي في خلق دابتي وخلق زوجتي»، في إشارة إلى أثر الذنوب على تفاصيل الحياة.
وعليه، فالعكوسات التي يمر بها الإنسان قد تكون ابتلاءً، أو تنبيهًا، أو دعوةً لمراجعة النفس، لا علامة على نحس دائم أو حظ سيئ.
رابعًا: الدعاء والاستغفار مفاتيح الفرج
الدعاء في الإسلام ليس اعتراضًا على القدر، بل هو جزء منه، وقد وصفه النبي ﷺ بقوله: «الدعاء هو العبادة».
ومن أعظم أسباب تفريج الكرب وتيسير الأمور:
- الإلحاح في الدعاء
- كثرة الاستغفار
- الصلاة على النبي ﷺ
وعندما يُحبس المطر، يتوجه الناس لصلاة الاستسقاء، والمطر رزق عام للإنس والبهائم والزرع، وفي ذلك دلالة واضحة على أن الرجوع إلى الله سبب لنزول الرزق ورفع البلاء.
خامسًا: حسن الظن بالله أساس الطمأنينة
من أعظم القواعد الإيمانية التي يجب أن يستحضرها المسلم دائمًا، قول الله تعالى في الحديث القدسي:
«أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء»
فمن أحسن الظن بالله، رأى في الابتلاء رحمة، وفي التأخير حكمة، وفي المنع عطاءً خفيًا.
أما سوء الظن بالله، فهو باب للقلق واليأس، ولا يليق بقلب مؤمن موحد.
الخاتمة: توازن المؤمن بين القدر والعمل
الإسلام لا يدعو إلى الاستسلام ولا إلى التشاؤم، بل يدعو إلى الجمع بين الإيمان بالقدر، والأخذ بالأسباب، وكثرة الدعاء، وترك المعاصي، وحسن الظن بالله.
وبهذا التوازن يعيش المؤمن مطمئنًا، لا تكسره العكوسات، ولا تضعفه العقبات، لأنه يعلم أن الله يتولى الصالحين، وأن ما عند الله خير وأبقى.
.png)