المقدمة:
العدل هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها استقامة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فالعدل ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل هو مبدأ إلهي جعله الله ميزانًا للحكم بين الناس، وأمر به في كل الأحوال، حتى مع الأعداء والمخالفين. يقول الله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل/90)
وفي ضوء هذه الآية الكريمة، يتجلى العدل كمطلب إلهي وضرورة اجتماعية، لا يستقيم حال الأمة إلا بتحقيقه. فكيف عرَّف القرآن العدل؟ وما هي مظاهره وأثره في بناء الفرد والمجتمع؟
1. مفهوم العدل في القرآن
العدل في اللغة يعني القسط والمساواة، أما في الاصطلاح فهو إعطاء كل ذي حق حقه من غير زيادة أو نقصان، مع تجنب الهوى والميل إلى طرف دون آخر.
القرآن الكريم يركز على العدل بوصفه قيمة مطلقة لا تتغير باختلاف الظروف والأشخاص، قال تعالى:
(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام/152)
فالعدل في القرآن ليس مجرد مبدأ أخلاقي، بل هو تكليف شرعي وواجب ديني يجب على المسلم الالتزام به في القول والفعل والحكم.
2. دعوة القرآن إلى العدل
القرآن الكريم يدعو إلى العدل في مختلف جوانب الحياة، ويأمر به في الحكم والتعامل والقول. ومن أبرز النصوص التي تُبرز مكانة العدل:
- الأمر بالعدل في الحكم:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء/58)
- الأمر بالعدل في التعامل الاجتماعي:
(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن/9)
- الأمر بالعدل حتى مع الأعداء:
(وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/8)
فالعدل في القرآن قيمة مطلقة، لا ترتبط بالمشاعر أو الانتماءات، بل هي قاعدة راسخة يجب تطبيقها في جميع الأحوال.
3. صور العدل في القرآن
أ. العدل في الحكم
العدل في الحكم هو ركيزة استقرار المجتمعات، وقد أمر الله به الحكام والقضاة، وجعل تطبيق العدل مسؤولية شرعية ومجتمعية. قال تعالى:
(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء/58)
ب. العدل في القول
حتى في القول، يأمر الله بالعدل، ولو كان ذلك في حق الأقربين. قال تعالى:
(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام/152)
ج. العدل في التعامل الاجتماعي
العدل في التعامل يشمل احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس، وإقامة العدل في الميزان والتجارة. قال تعالى:
(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن/9)
4. أثر العدل في بناء المجتمع
🔸 تحقيق الاستقرار الاجتماعي
العدل أساس استقرار المجتمعات، وبه تزدهر العلاقات الإنسانية، وتُحل الخلافات بالحكمة.
🔸 تعزيز الثقة بين الناس
عندما يسود العدل، تطمئن النفوس، وتثق الناس في القادة والحكام، ويعم الأمن.
🔸 الحد من الظلم والنزاعات
العدل يقضي على دوافع الحقد والكراهية، ويمنع أسباب التمرد والفوضى.
5. العدل بين الإطلاق والتقييد
- العدل في القرآن قيمة مطلقة لا تتغير بتغير الأشخاص أو الظروف.
- العدل لا يعرف المحاباة أو المجاملة، بل هو ميزان ثابت في جميع الأحوال.
قال النبي (صلى الله عليه وآله):
"لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها."
الخاتمة
العدل في القرآن قيمة مركزية في بناء الفرد والمجتمع. وهو الأساس الذي تُبنى عليه الحضارات، وبه تُصان الحقوق وتُحفظ الكرامة الإنسانية. الالتزام بالعدل هو الطريق لتحقيق التقوى والفلاح في الدنيا والآخرة. قال تعالى:
(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/8)